فصل: ومن حديث داود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **


56 محمد بن نصر المروزى الإمام الجليل أبو عبد الله

أحد أعلام الأمة وعقلائها وعبادها

ولد سنة اثنتين ومائتين ببغداد ونشأ بنيسابور وسكن سمرقند وكان أبوه مروزيا

سمع محمد بن نصر هشام بن عمار وهشام بن خالد والمسيب بن واضح ويحيى بن يحيى وإسحاق وعلى بن بحر القطان والربيع بن سليمان ويونس بن عبد الأعلى وعمرو بن زرارة وعلى بن حجر وهدبة وشيبان ومحمد بن عبد الله بن نمير وخلقا

وتفقه على أصحاب الشافعى

روى عنه أبو العباس السراج وأبو حامد بن الشرقى ومحمد بن المنذر شكر وأبو عبد الله بن الأخرم وابنه إسماعيل بن محمد بن نصر وطائفة

قال الحاكم هو الفقيه العابد العالم إمام أهل الحديث فى عصره بلا مدافعة

وقال الخطيب كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم فى الأحكام

وقال ابن حزم فى بعض تآليفه أعلم الناس من كان أجمعهم للسنن وأضبطهم لها وأذكرهم لمعانيها وأدراهم بصحتها وبما أجمع الناس عليه مما اختلفوا فيه وما نعلم هذه الصفة بعد الصحابة أتم منها فى محمد بن نصر المروزى فلو قال قائل ليس لرسول الله حديث ولا لأصحابه إلا وهو عند محمد بن نصر لما بعد عن الصدق

وقال أبو ذر محمد بن محمد بن يوسف القاضى كان الصدر الأول من مشايخنا يقولون رجال خراسان أربعة ابن المبارك ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه ومحمد بن نصر المروزى

وقال أبو بكر الصيرفى لو لم يصنف المروزى إلا كتاب القسامة لكان من أفقه الناس فكيف وقد صنف كتبا سواها وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى صنف محمد هذا كتبا ضمنها الآثار والفقه وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم فى الأحكام وصنف كتابا فيما خالف فيه أبو حنيفة عليا وعبد الله رضى الله عنهما

وقال ابن الأخرم انصرف محمد بن نصر من الرحلة الثانية سنة ستين ومائتين فاستوطن نيسابور ولم تزل تجارته بنيسابور أقام مع شريك له مضارب وهو يشتغل بالعلم والعبادة ثم خرج سنة خمس وسبعين إلى سمرقند فأقام بها وشريكه بنيسابور وكان وقت مقامه هو المفتى والمقدم بعد وفاة محمد ابن يحيى فإن حيكان يعنى يحيى بن محمد بن يحيى ومن بعده أقروا له بالفضل والتقدم

قال ابن الأخرم حدثنا إسماعيل بن قتيبة سمعت محمد بن يحيى غير مرة إذا سئل عن مسألة يقول سلوا أبا عبد الله المروزى

وقال أبو بكر الصبغى فيما أخبرنا به الشيخ الإمام الفقيه شيخ الشافعية

برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن شيخ الشافعية تاج الدين أبى محمد عبد الرحمن ابن إبراهيم الفزارى فى كتابه إلى من دمشق وعمر بن الحسن المراغى بقراءتى عليه قال الأول أخبرنا المسلم بن محمد بن المسلم القيسى سماعا عليه وقال الثانى أخبرنا أبو الفتح يوسف بن يعقوب بن المجاور إجازة قالا أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندى سماعا قال أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز سماعا قال أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب قال أخبرنى محمد بن على بن يعقوب المعدل قال أخبرنا محمد بن عبد الله النيسابورى قال سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول أدركت إمامين لم أرزق السماع منهما أبا حاتم الرازى ومحمد بن نصر المروزى فأما محمد بن نصر فما رأيت أحسن صلاة منه ولقد بلغنى أن زنبورا قعد على جبهته فسال الدم على وجهه ولم يتحرك

وقال ابن الأخرم ما رأيت أحسن صلاة من محمد بن نصر كان الذباب يقع على أذنه فيسيل الدم ولا يذبه عن نفسه ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته وخشوعه وهيبته للصلاة كان يضع ذقنه على صدره فينتصب كأنه خشبة منصوبة وكان من أحسن الناس خلقا كأنما فقئ فى وجهه حب الرمان وعلى خديه كالورد ولحيته بيضاء

وقال السليمانى محمد بن نصر إمام الأئمة الموفق من السماء

وقال أحمد بن إسحاق الصبغى سمعت محمد بن عبد الوهاب الثقفى يقول كان إسماعيل بن أحمد والى خراسان يصل محمد بن نصر فى السنة بأربعة آلاف درهم ويصله أخوه إسحاق بمثلها ويصله أهل سمرقند بمثلها فكان ينفقها من السنة إلى السنة من غير أن يكون له عيال فقيل له لو ادخرت لنائبه فقال سبحان الله أنا بقيت بمصر كذا وكذا سنة قوتى وثيابى وكاغدى وحبرى وجميع ما أنفقه على نفسى فى السنة عشرون درهما فترى إن ذهب ذا لا يبقى ذاك

قلت انظر حالة من لا فرق بين القلة والكثرة عنده

أخبرنا محمد بن العلامة أبو إسحاق الفزارى إذنا أخبرنا المسلم بن محمد

ح وأخبرنا أبو حفص عمر بن الحسن بن مزيد بن أميلة المراغى بقراءتى عليه قال أخبرنا يوسف بن يعقوب بن المجاور إجازة قالا أخبرنا أبو اليمن الكندى أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب أخبرنا الجوهرى أخبرنا ابن حيويه حدثنا عثمان بن جعفر اللبان حدثنى محمد بن نصر قال خرجت من مصر ومعى جارية لى فركبت البحر أريد مكة فغرقت فذهب منى ألفا جزء وصرت إلى جزيرة أنا وجاريتي فما رأينا فيها أحدا وأخذنى العطش فلم أقدر على الماء فوضعت رأسى على فخذ جاريتى مستسلما للموت فإذا رجل قد جاءنى ومعه كوز فقال هاه فشربت وسقيتها ثم مضى فلا أدرى من أين جاء ولا من أين ذهب

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتى عليه أخبرنا أبو حفص عمر بن عبد المنعم بن القواس أخبرنا زيد بن الحسن الكندى إجازة أخبرنا أبو الحسن بن عبد السلام أخبرنا الشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن على الفيروزابادى قال روى عنه يعنى محمد بن نصر أنه قال كتبت الحديث بضعا وعشرين سنة وسمعت قولا ومسائل ولم يكن لى حسن رأى فى الشافعى فبينا أنا قاعد فى مسجد رسول الله بالمدينة إذ أغفيت إغفاءة فرأيت النبى فى المنام فقلت يا رسول الله أكتب رأى أبى حنيفة فقال ‏(‏ لا ‏)‏ فقلت رأى مالك فقال ‏(‏ اكتب ما وافق حديثى ‏)‏ فقلت أكتب رأى الشافعى فطأطأ رأسه شبه الغضبان وقال تقول رأى ليس هو بالرأى هو رد على من خالف سنتى ‏)‏

قال فخرجت فى أثر هذه الرؤيا إلى مصر فكتبت كتب الشافعى

أخبرنا الإمام أبو إسحاق الشافعى إجازة والمسند أبو حفص المراغى بقراءتى قال الأول أخبرنا أبو الغنائم بن علان سماعا وقال الثانى أخبرنا أبو الفتح بن المجاور الشيبانى إجازة قالا أخبرنا زيد بن الحسن أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أحمد بن على الحافظ أخبرنى أبو الوليد الحسن بن محمد الدربندى أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الحافظ ببخارى قال سمعت أبا صخر محمد بن مالك السعدى يقول سمعت أبا الفضل محمد بن عبيد الله البلعمى يقول سمعت الأمير أبا إبراهيم إسماعيل بن أحمد يقول كنت بسمرقند فجلست يوما للمظالم وجلس أخى إسحاق إلى جنبى إذ دخل أبو عبد الله محمد بن نصر فقمت له إجلالا لعلمه فلما خرج عاتبنى أخى إسحاق وقال أنت والى خراسان يدخل عليك رجل من رعيتك فتقوم إليه وبهذا ذهاب السياسة فبت تلك الليلة وأنا منقسم القلب بذلك فرأيت النبى فى المنام كأنى واقف مع أخى إسحاق إذ أقبل النبى فأخذ بعضدى وقال يا إسماعيل ثبت ملكك وملك بنيك بإجلالك لمحمد بن نصر ثم التفت إلى إسحاق فقال ذهب ملك إسحاق وملك بنيه باستخفافه بمحمد بن نصر

حكاية إملاق المحمدين بمصر

قرأت على أبى عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز قلت له أخبرك أبو الغنائم المسلم بن محمد بن علان قراءة عليه وأنت تسمع فأقر به أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندى أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الحافظ أبو بكر الخطيب حدثنى أبو الفرج محمد بن عبيد الله بن محمد الخرجوشى الشيرازى لفظا سمعت أحمد بن منصور بن محمد الشيرازى يقول سمعت محمد بن أحمد الصحاف السجستانى يقول سمعت أبا العباس البكرى من ولد أبى بكر الصديق رضى الله عنه يقول جمعت الرحلة بين محمد بن جرير ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ومحمد بن نصر المروزى ومحمد بن هارون الرويانى بمصر فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم وأضر بهم الجوع فاجتمعوا ليلة فى منزل كانوا يأوون إليه فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق بن خزيمة فقال لأصحابه أمهلونى حتى أتوضأ وأصلى صلاة الخيرة فاندفع فى الصلاة فإذا هم بالشموع وخصى من قبل والى مصر يدق الباب ففتحوا الباب فنزل عن دابته فقال أيكم محمد بن نصر فقيل هو هذا فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ثم قال أيكم محمد بن جرير فقالوا هو ذا فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ثم قال أيكم محمد بن إسحاق بن خزيمة فقالوا هو هذا يصلى فلما فرغ من صلاته دفع إليه الصرة وفيها خمسون دينارا ثم قال أيكم محمد بن هارون وفعل به كذلك ثم قال إن الأمير كان قائلا بالأمس فرأى فى المنام خيالا قال إن المحامد طووا كشحهم جياعا فأنفذ إليكم هذه الصرار وأقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إلى أحدكم

قلت ابن نصر وابن جرير وابن خزيمة من أركان مذهبنا وأما محمد بن هارون الرويانى فهو الحافظ أبو بكر له مسند مشهور روى عن أبى كريب وبندار وهذه الطبقة مات سنة سبع وثلثمائة

وحكى أن محمد بن نصر كان يتمنى على كبر سنه أن يولد له ابن

قال الحاكى فكنا عنده يوما وإذا برجل من أصحابه قد جاء وساره فى أذنه فرفع يديه وقال ‏{‏الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ‏}‏ ثم مسح وجهه بباطن كفه ورجع إلى ما كان فيه

قال الحاكى فرأينا أنه استعمل فى تلك الكلمة الواحدة ثلاث سنن تسمية الولد وحمد الله على الموهبة وتسميته إسماعيل لأنه ولد على كبر سنه وقال الله عز وجل ‏{‏أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ‏}

قلت كذا أسند هذه الحكاية الحاكم أبو عبد الله وإن كان محمد بن نصر قصد الثلاث فنستفيد من هذا أنه يستحب لمن ولد له ابن على الكبر أن يسميه إسماعيل وهى مسألة حسنة وأحسب إسماعيل هذا من خنة بخاء معجمة ثم نون وهى أخت القاضى يحيى بن أكثم كان محمد بن نصر قد تزوجها

توفى محمد بن نصر بسمرقند فى المحرم سنة أربع وتسعين ومائتين

ومن غرائبه

ذهب إلى أن صلاة الصبح تقصر فى الخوف إلى ركعة

وأنه يجزئ المسح على العمامة

ونقل فى كتابه تعظيم قدر الصلاة عن بعض أهل العلم أن علة النهى عن السمر بعد العشاء الآخرة لأن مصلى العشاء قد كفرت عنه ذنوبه بصلاته فيخشى أن يكون منه الزلة فيتدنس بالذنب بعد الطهارة

قلت وعلله آخرون بوقوع الصلاة التى هى أفضل الأعمال خاتمة عمله وهو قريب من ذلك وآخرون بأن الله قد جعل الليل سكنا والحديث يخرجه عن ذلك وآخرون بأن نومه يتأخر فيخاف فوات الصبح عن وقتها أو عن أوله وآخرون بخشية من له تهجد فواته

قلت ويمكن أن يتعلق بكل من هذه المعانى بجواز اجتماعها ولا يمكن أن يقتصر على واحد من التعليلين الأخيرين لئلا يلزم اختصاص الكراهة بمن يخشى فوات الصبح واختصاصهما بمن له تهجد يخشى فواته

حديث رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه

هذا الحديث كثر ذكره على ألسنة الفقهاء والأصوليين وتكلمت عليه قديما فيما كتبته على أحاديث منهاج البيضاوى ثم وقفت على كتاب اختلاف الفقهاء للإمام محمد بن نصر وهو مختصر يذكر فيه خلافيات العلماء ويبدأ فى كل مسألة بذكر سفيان الثورى فأبصرت فيه فى باب طلاق المكره وعتاقه ما نصه ويروى عن النبى أنه قال ‏(‏ رفع الله عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه ‏)‏ إلا أنه +ليس له إسناد+ يحتج بمثله انتهى

فاستفدت من هذا أن لهذا اللفظ +إسنادا ولكنه لا يثبت+

وقد وقع الكلام فى هذا الحديث قديما بدمشق وبها الشيخ برهان الدين بن الفركاح شيخ الشافعية ثم إذ ذاك وبالغ فى التنقيب عنه وسؤال المحدثين وذكر فى تعليقته على التنبيه فى كتاب الصلاة قول النووى فى زيادة الروضة فى كتاب الطلاق فى الباب السادس فى تعليق الطلاق إنه حديث حسن

قال الشيخ برهان الدين ولم أجد هذا اللفظ مع شهرته ثم ذكر أن فى كامل ابن عدى فى ترجمة جعفر بن فرقد من حديثه عن أبيه عن الحسن عن أبى بكرة قال قال رسول الله ‏(‏ رفع الله عز وجل عن هذه الأمة ثلاثا الخطأ والنسيان والأمر يكرهون عليه ‏)‏ وجعفر بن جسر وأبوه ضعيفان

قلت ثم وجد رفيقنا فى طلب الحديث شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادى الحنبلى الحديث بلفظه فى رواية أبى القاسم الفضل بن جعفر بن محمد التميمى المؤذن المعروف بأخى عاصم فإنه قال حدثنا الحسين بن محمد حدثنا محمد بن مصفى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعى عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله ‏(‏ رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ‏)‏

لكن ابن ماجة روى فى سننه الحديث بهذا الإسناد بلفظ غيره فقال حدثنا محمد بن مصفى الحمصى عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعى عن عطاء ابن أبى رباح عن ابن عباس عن النبى قال ‏(‏ إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ‏)‏ ولفظ الوضع والرفع متقاربان فلعل أحد الراويين روى بالمعنى

وسئل أحمد بن حنبل عن الحديث فقال لا يصح ولا يثبت إسناده

قلت وروى من حديث ابن عباس أن رسول الله قال ‏(‏ إن الله تجاوز لى عن أمتى الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه ‏)‏ كذا رواه الطبرانى من حديث الأوزاعى عن عطاء بن أبى رباح عن عبيد بن عمير عن ابن عباس

وبالجملة الأمر فى الحديث وإن تعددت ألفاظه كما قال الإمامان أحمد بن حنبل ومحمد ابن نصر إنه غير ثابت وذكر الخلال من الحنابلة فى كتاب العلم أن أحمد قال من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع فقد خالف كتاب الله وسنة رسول الله فإن الله أوجب فى قتل النفس فى الخطأ الكفارة

قلت ولا محمل لهذا الكلام إلا أن يقال أراد به من زعم ارتفاعهما على العموم فى خطاب الوضع وخطاب التكليف وإلا فقائل هذا المقالة أشبه بوفاق الإجماع

57 إبراهيم بن محمد البلدى

نقل الغزالى فى الوسيط أنه روى عن المزنى عن الشافعى أنه رجع عن تنجيس شعر الآدمى

وقد سبق الغزالى إلى هذا النقل أبو عاصم العبادى والقاضى الماوردى وجماعات

والرجل معروف الاسم بين المتقدمين لا ينبغى إنكاره غير أن ترجمته عزيزة لم أجدها إلى الآن كما فى النفس

وقد ذكره العبادى فى الطبقة الثانية فى المقلين المنفردين بروايات وسيأتى ما يؤيد روايته فإنا إن شاء الله سنذكر فى الطبقة الثالثة فى ترجمة محمد بن عبد الله بن أبى جعفر قوله سمعت ابن أبى هريرة يقول سمعت ابن سريج يقول سمعت أبا القاسم الأنماطى يقول إن أبا إبراهيم المزنى قال سمعت الشافعى يقول قبل وفاته بشهر إن الشعر لا يموت بموت ذات الروح فقد تابع الأنماطى البلدى وهذه متابعة جيدة لم أجد فى الباب مثلها

58 إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشر الحربى أبو إسحاق

الفقيه الحافظ

ولد سنة ثمان وتسعين ومائة

وسمع هوذة بن خليفة وأبا نعيم وعبد الله بن صالح العجلى وعاصم بن على وعفان وأبا سلمة التبوذكى ومسدد بن مسرهد وأبا عبيد القاسم بن سلام وشعيث بن محرز وغيرهم

روى عنه ابن صاعد وأبو بكر النجاد وأبو بكر الشافعى وعبد الرحمن بن العباس المخلص وخلق آخرهم موتا أبو بكر القطيعى

أخذ الفقه عن الإمام أحمد بن حنبل

قال الخطيب كان إماما فى العلم وإماما فى الزهد عارفا بالفقه بصيرا بالأحكام حافظا للحديث مميزا لعلله قيما بالأدب جماعا للغة صنف غريب الحديث وكتبا كثيرة

أصله من مرو

وكان يقول أجمع عقلاء كل أمة أنه من لم يجر مع القدر لم يتهنأ بعيشه

قال وقميصى أنظف قميص وإزارى أوسخ إزار ما حدثت نفسى بأنهما يستويان قط وفرد عقبى صحيح والآخر مقطوع ولا أحدث نفسى أنى أصلحها ولا شكوت لأهلى وأقاربى حمى أجدها ولى عشر سنين أبصر بفرد عين ما أخبرت به أحدا وأفنيت من عمرى ثلاثين سنة برغيفين إن جاءتنى بهما أمى أو أختى وإلا بقيت جائعا إلى الليلة الثانية وأفنيت ثلاثين سنة برغيف فى اليوم والليلة إن جاءتنى به امرأتى أو بناتى وإلا بقيت جائعا والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة وقام إفطارى في رمضان هذا بدرهم ودانقين ونصف

قال السلمى سألت الدارقطنى عن إبراهيم الحربى فقال كان يقاس بأحمد ابن حنبل فى زهده وعلمه وورعه

وقال الحاكم سمعت محمد بن صالح القاضى يقول لا نعلم أن بغداد أخرجت مثل إبراهيم فى الأدب والفقه والحديث والزهد

وقال أبو بكر الشافعى سمعت إبراهيم الحربى يقول عندى عن على بن المدينى قمطر ولا أحدث عنه بشىء لأنى رأيته بالمغرب ونعله بيده مبادرا فقلت إلى أين قال ألحق الصلاة مع أبى عبد الله قلت من أبو عبد الله قال ابن أبى دؤاد

قلت نقم عليه اقتداؤه بابن أبى دؤاد القائل بخلق القرآن وقد كان ابن المدينى ممن يقول بذلك فإنما نقم عليه فى الحقيقة نفس البدعة وأنا أنقم عليه مع البدعة مبادرته وسعيه والسنة أن يأتى الصلاة وهو يمشى وعليه السكينة ولا يأتيها وهو يسعى

توفى الحربى فى ذى الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين وذكره فى الحنابلة أولى من ذكره فى الشافعية

59 إسحاق بن موسى بن عمران الإسفراينى الفقيه الزاهد أبو يعقوب صاحب المزنى والربيع

تفقه على المزنى وسمع المبسوط مع الربيع

وسمع من قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهوية وعلى بن حجر وإبراهيم بن يوسف البلخى وجبارة بن المغلس وهشام بن عمار وخلق بالعراق والشام ومصر

روى عنه مؤمل بن الحسن وأبو عوانة ومحمد بن عبدك ومحمد بن الأخرم وجماعة

وكان فقيها محدثا زاهدا ورعا

ذكره الحاكم وذكر أن كنية والده أبو عمران فلذلك ربما قيل إسحاق بن أبى عمران

وقال أعنى الحاكم كان أحد أئمة الشافعيين والرحالة فى طلب الحديث توفى بإسفراين سنة أربع وثمانين ومائتين

قلت هنا فائدتان إحداهما أن شيخنا الذهبى قال إن هذا الشيخ هو والد أبى عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد وإنه يظن أن الحاكم وهم فى تسمية أبيه بموسى بن عمران

قال وقد ذكر أن أبا عوانة روى عنه وما بين أنه ولده وما ذكر فى تاريخه ترجمة أخرى لوالد أبى عوانة وقد رأيت أنا فى صحيح أبى عوانة روايته عن أبيه إسحاق بن أبى عمران فهو أبوه والله أعلم هذا كلام شيخنا الذهبى

والثانية أن الذهبى قال عقيب هذه الترجمة إسحاق بن أبى عمران أبو يعقوب اليحمدى الإستراباذى هو إسحاق بن موسى بن عبد الرحمن بن عبيد الشافعى الفقيه أيضا سمع قتيبة وابن راهويه وهشام بن عمار وحرملة وطبقتهم بخراسان والشام ومصر والعراق روى عنه أبو نعيم بن عدى ووالد عبد الله بن على بن القطان ذكره حمزة فى تاريخ جرجان انتهى كلام شيخنا الذهبى

والذى يقع لى أنهما واحد وليس هو والد أبى عوانة بل غيره هذا إسحاق ابن موسى وربما قيل ابن أبى عمران ووالد أبى عوانة غيره

وقول شيخنا الذهبى ما ظفرت له برواية عن إسحاق بن أبى عمران لا يلزم منه أن يكون هو أباه فإن أبا عوانة لم يستوعب فى مسنده شيوخه هذا إن صح أنه لم يذكر فى كتابه إسحاق بن أبى عمران

فإن قلت لا شك أن روايته عن أبيه وعدم روايته عن إسحاق بن أبى عمران قرينة

قلت لكن ذكر الحاكم لأبى عوانة فى الرواة عن هذا الشيخ من غير تنبيه عنه على أنه ولده قرينة فى أنه غيره أقوى من تلك مع ما ينضم إليها من أن أبا عوانة نفسه أخذ عن المزنى والربيع على أن الحال محتمل والخطب فيه يسير

وأما تفرقة شيخنا بين إسحاق بن موسى بن عمران وإسحاق بن أبى عمران فلا أحسبه إلا وهما وما أرى إلا أنهما واحد والعلم عند الله تعالى

60 الجنيد بن محمد بن الجنيد أبو القاسم النهاوندى الأصل البغدادى القواريرى الخزاز

سيد الطائفة ومقدم الجماعة وإمام أهل الخرقة وشيخ طريقة التصوف وعلم الأولياء فى زمانه وبهلوان العارفين

تفقه على أبى ثور وكان يفتى بحلقته وله من العمر عشرون سنة

وسمع الحديث من الحسن بن عرفة وغيره

واختص بصحبة السرى السقطى والحارث بن أسد المحاسبى وأبى حمزة البغدادى

قال جعفر الخلدى لم نر فى شيوخنا من اجتمع له علم وحال غير الجنيد إذا رأيت علمه رجحته على حاله وإذا رأيت حاله رجحته على علمه

وعن أبى العباس بن سريج أنه تكلم يوما فأعجب به بعض الحاضرين فقال ابن سريج هذا ببركة مجالستى لأبى القاسم الجنيد رحمه الله

وقال أبو القاسم الكعبى المتكلم المعتزلى ما رأت عيناى مثله كان الكتبة يحضرونه لألفاظه والفلاسفة لدقة معانيه والمتكلمون لعلمه

قال الخلدى قال الجنيد ذات يوم ما أخرج الله إلى الأرض علما وجعل للخلق إليه سبيلا إلا وقد جعل لى فيه حظا ونصيبا

قال الخلدى وبلغنى أن الجنيد كان فى سوقه وكان ورده فى كل يوم ثلاثمائة ركعة وثلاثين ألف تسبيحة

قال وسمعته يقول ما نزعت ثوبى للفراش منذ أربعين سنة

قال وكان الجنيد عشرين سنة لا يأكل إلا من الأسبوع إلى الأسبوع ويصلى كل ليلة أربعمائة ركعة

قال أبو الحسن المحلبى قلت للجنيد ممن استفدت هذا العلم قال من جلوسى بين يدى الله تعالى ثلاثين سنة تحت تلك الدرجة وأومأ إلى درجة فى داره

قال إسماعيل بن نجيد كان الجنيد يجىء كل يوم إلى السوق فيفتح حانوته فيدخله ويسبل الستر ويصلى أربعمائة ركعة ثم يرجع إلى بيته

قال على بن محمد الحلوانى حدثنى خير قال كنت جالسا يوما فى بيتى فخطر لى خاطر أن أبا القاسم الجنيد بالباب اخرج إليه فنفيت ذلك عن قلبى وقلت وسوسة فوقع لى خاطر ثان فنفيته فوقع خاطر ثالث فعلمت أنه حق وليس بوسوسة ففتحت الباب فإذا أنا بالجنيد قائم فسلم على وقال يا خير ألا خرجت مع الخاطر الأول

قال أبو عمرو بن علوان خرجت يوما إلى سوق الرحبة فى حاجة فوقعت عينى على امرأة مسفرة من غير تعمد فألححت بالنظر فاسترجعت واستغفرت الله وعدت إلى منزلى فقالت لى عجوز يا سيدى مالى أرى وجهك أسود

فأخذت المرآة فنظرت فإذا وجهى أسود فرجعت إلى سرى أنظر من أين دهيت فذكرت النظرة فانفردت فى موضع أستغفر الله وأسأله الإقالة أربعين يوما فخطر فى قلبى أن زر شيخك الجنيد فانحدرت إلى بغداد فلما جئت الحجرة التى هو فيها طرقت الباب فقال لى ادخل يا أبا عمرو وتذنب فى الرحبة ونستغفر لك ببغداد

قال أبو بكر العطار حضرت الجنيد عند الموت فى جماعة من أصحابنا فكان قاعدا يصلى ويثنى رجله كلما أراد أن يسجد فلم يزل كذلك حتى خرجت الروح من رجله فثقلت عليه حركتها فمد رجليه وقد تورمتا فرآه بعض أصدقائه فقال ما هذا يا أبا القاسم قال هذه نعم الله أكبر فلما فرغ من صلاته قال له أبو محمد الجريرى لو اضطجعت قال يا أبا محمد هذا وقت يؤخذ منه الله أكبر فلم يزل كذلك حتى مات

وعن الجنيد أرقت ليلة فقمت إلى وردى فلم أجد ما كنت أجد من الحلاوة فأردت النوم فلم أقدر فأردت القعود فلم أطق ففتحت الباب وخرجت فإذا رجل ملتف فى عباءة مطروح على الطريق فلما أحس بى رفع رأسه وقال يا أبا القاسم إلى الساعة

فقلت يا سيدى من غير موعد

فقال بلى سألت محرك القلوب أن يحرك لى قلبك

فقلت ما حاجتك

فقال متى يصير داء النفس دواها

فقلت إذا خالفت هواها صار داؤها دواها

فأقبل على نفسه فقال اسمعى قد أجبتك بهذا الجواب سبع مرات فأبيت إلا أن تسمعيه من الجنيد فقد سمعت وانصرف عنى ولم أعرفه ولا وقفت عليه

وقال كنت جالسا فى مسجد الشونيزية أنتظر جنازة أصلى عليها وأهل بغداد على طبقاتهم جلوس ينتظرون الجنازة فرأيت فقيرا عليه أثر النسك يسأل الناس فقلت فى نفسى لو عمل هذا عملا يصون به نفسه كان أجمل به فلما انصرفت إلى منزلى وكان لى شيء من الورد بالليل من الصلاة والقراءة والبكاء فثقلت على جميع أورادى فسهرت وأنا قاعد فغلبتنى عيناى فرأيت ذلك الفقير وقد جاءوا به ممدودا على خوان وقالوا لى كل لحمه فقد اغتبته

فكشف لى عن الحال وقلت ما اغتبته إنما قلت شيئا فى نفسى

فقيل لى ما أنت ممن يرضى منك بمثل هذا اذهب إليه واستحله

فأصبحت ولم أزل أتردد حتى رأيته فى موضع يلتقط من أوراق البقل فسلمت عليه فقال تعود يا أبا القاسم فقلت لا

فقال غفر الله لنا ولك

ومن كلام الجنيد رحمه الله

الطريق إلى الله عز وجل مسدود على خلقه إلا على المقتفين آثار رسول الله كما قال الله عز وجل ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ‏}‏ وقال لولا أنه يروى أنه يكون فى آخر الزمان زعيم القوم أرذلهم ما تكلمت عليكم

وقال أضر ما على أهل الديانات الدعاوى

وقال المروءة احتمال زلل الإخوان

وقيل له كيف الطريق إلى الله فقال توبة تحل الإصرار وخوف يزيل الغرة ورجاء مزعج إلى طريق الخيرات ومراقبة الله فى خواطر القلوب

وقال ليس بشنيع ما يرد على من العالم لأنى قد أصلت أصلا وهو أن الدار دار غم وهم وبلاء وفتنة وأن العالم كله شر ومن حكمه أن يتلقانى بكل ما أكره وإن تلقانى بما أحب فهو فضل وإلا فالأصل الأول

وقال الزهد خلو القلب عما خلت منه اليد واستصغار الدنيا ومحو آثارها من القلب

وقال الخوف توقع العقوبة مع مجارى الأنفاس

وقال الخشوع تذلل القلوب لعلام الغيوب

وقال التواضع خفض الجناح ولين الجانب

وقال وسأله جماعة أنطلب الرزق فقال إن علمتم أى موضع هو فاطلبوه

قالوا نسأل الله فيه قال إن علمتم أنه ينساكم فذكروه فقالوا أندخل البيت ونتوكل فقال التجربة شك فقالوا فما الحيلة قال ترك الحيلة

وفى بعض الكتب نسبة هذه الحكاية إلى الخواص

وقال اليقين استقرار العلم الذى لا يتقلب ولا يحول ولا يتغير فى القلب

وقال أيضا اليقين ارتفاع الريب فى مشهد الغيب فعرف اليقين بتعريفين وسيأتى عنه أيضا للشكر تعريفان والكل حق صحيح

وقال المسير من الدنيا إلى الآخرة سهل هين على المؤمن وهجران الخلق فى جنب الحق شديد والمسير من النفس إلى الله صعب شديد والصبر مع الله تعالى أشد

وقال الصبر تجرع المرارة من غير تعبيس

وقال من تحقق فى المراقبة خاف على فوت حظه من الله تعالى

وقال وقد قال الشبلى يوما بين يديه لا حول ولا قوة إلا بالله قولك ذا ضيق صدر وهو ترك للرضا بالقضاء والرضا رفع الاختيار

وقيل له ما للمريد فى مجاراة الحكايات فقال الحكايات جند من جنود الله يقوى بها قلوب المريدين فسئل على ذلك شاهدا فقال قوله تعالى ‏{‏وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ‏}

وقيل له ما الفرق بين المريد والمراد فقال المريد تتولاه سياسة العلم والمراد تتولاه رعاية الحق لأن المريد يسير والمراد يطير وأين السائر من الطائر

وقال الإخلاص سر بين الله وعبده ولا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله

وقال الصادق يتقلب فى اليوم أربعين مرة والمرائى يثبت على حالة واحدة أربعين سنة

وسئل عن الحياء فقال رؤية الآلاء ورؤية التقصير يتولد منهما حالة تسمى الحياء

وقال الفتوة كف الأذى وبذل الندى

وقال لو أقبل صادق على الله ألف ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة كان ما فاته أكثر مما ناله

قلت والناس يستشكلون هذه الكلمة ويتطلبون تقريرها وسألت عنها بعض العارفين بالتصوف فقال معناها يظهر بضرب مثل وهو أن الغواص إذا غاص فى البحر منقبا على نفيس الجواهر إلى أن قارب قراره وكاد يحظى بمراده أعرض وترك كان ما فاته أكثر مما ناله وكذلك من أقبل على الحق ألف ألف سنة ثم أعرض فتلك اللحظة التى أعرض فيها لو لم يعرض نتيجة عمل ألف ألف سنة فلما أعرض فاتته تلك النتيجة التى هى غاية عمل ألف ألف سنة فظهر أن ما فاته أكثر مما ناله

قال أبو عبد الرحمن السلمى سمعت جدى إسماعيل بن نجيد يقول دخل أبو العباس بن عطاء على الجنيد وهو فى النزع فسلم فلم يرد عليه ثم رد عليه بعد ساعة وقال اعذرنى فإنى كنت فى وردى ثم حول وجهه إلى القبلة وكبر ومات

وقال أبو محمد الجريرى كنت واقفا على رأس الجنيد فى وقت وفاته وكان يوم جمعة وهو يقرأ القرآن فقلت يا أبا القاسم ارفق بنفسك فقال يا أبا محمد ما رأيت أحدا أحوج إليه منى فى هذا الوقت وهو ذا تطوى صحيفتى

ويقال كان نقش خاتم الجنيد إذا كنت تأمله فلا تأمنه

وكان يقول ما أخذنا التصوف من القال والقيل ولكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات

قال أبو سهل الصعلوكى سمعت أبا محمد المرتعش يقول قال الجنيد كنت بين يدى السرى السقطى ألعب وأنا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون فى الشكر فقال يا غلام ما الشكر

فقلت أن لا تعصى الله بنعمه

فقال أخشى أن يكون حظك من الله لسانك

قال الجنيد فلا أزال أبكى على هذه الكلمة التى قالها لى

وعن الجنيد الشكر أن لا ترى نفسك أهلا للنعمة

وعن الجنيد أعلى درجة الكبر أن ترى نفسك وأدناها أن تخطر ببالك يعنى نفسك

قال أبو عبد الرحمن السلمى سمعت عبد الواحد بن بكر الورثانى قال سمعت محمد ابن عبد العزيز يقول سئل الجنيد عمن لم يبق عليه من الدنيا إلا مقدار مص نواة فقال المكاتب عبد ما بقى عليه درهم

ومن كلام الجنيد باب كل علم نفيس جليل بذل المجهود وليس من عبد الله ببذل المجهود كمن طلبه من طريق الجود

وقال إن الله يخلص إلى القلوب من بره حسب ما خلصت القلوب به إليه من ذكره فانظر ماذا خالط قلبك

وقال أبو عمرو الزجاجى سألت الجنيد عن المحبة فقال تريد الإشارة فقلت لا قال تريد الدعوى قلت لا قال فأيش تريد قلت عين المحبة فقال أن تحب ما يحب الله فى عباده وتكره ما يكره فى عباده

وسئل عن قرب الله تعالى فقال قريب لا بالتلاق بعيد لا بافتراق

وقال مكابدة العزلة أيسر من مداراة الخلطة

توفى الجنيد يوم السبت فى شوال سنة ثمان وتسعين ومائتين وقيل سنة سبع وتسعين

قال الخلدى رأيته في النوم فقلت ما فعل الله بك فقال طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم ونفدت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها فى السحر

ذكر شيء من الرواية عنه

وقد ذكر أنه لم يحدث إلا بحديث واحد حدثناه الحافظ أبو العباس بن المظفر إملاء قال أخبرنا أبو الفتح يوسف بن يعقوب بن محمد بن المجاور إذنا أخبرنا الإمام أبو اليمن زيد بن الحسن الكندى أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز المعروف بابن زريق أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب أخبرنا أبو سعيد المالينى أخبرنا أبو القاسم عمر بن محمد بن مقبل أخبرنا جعفر الخلدى حدثنا جنيد بن محمد

ح وأخبرنا أبو العباس بن المظفر بقراءتى عليه أخبرنا القاضى محمد بن محمد بن سالم بن يوسف بن صاعد بن السلم سماعا أخبرنا الحسن بن أحمد بن يوسف الأوقى أخبرنا أبو طاهر السلفى أخبرنا أبو بكر أحمد بن على بن الحسن ابن زكريا الصوفى فيما قرأت عليه أخبرنا والدى أبو الحسن على بن الحسن الطريثيثى حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن عبد الله بن حفص بن الخليل الهروى لفظا أخبرنا أبو القاسم عمر بن محمد بن مقبل حدثنا جعفر بن محمد ابن نصير أخبرنا أبو القاسم الجنيد حدثنا الحسن بن عرفة

ح وبإسنادنا المشهور إلى ابن عرفة حدثنا محمد بن كثير الكوفى عن عمرو ابن قيس الملائى عن عطية عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله ‏(‏ اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ‏)‏ ثم قرأ ‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ‏}

قال أبو بكر الخطيب لا يعرف للجنيد غير هذا الحديث

قال أبو الفرج ابن الجوزى وقد رأيت له حديثا آخر

قلت أخبرناه أبو العباس بن المظفر الحافظ بقراءتى عليه عن أبى الحسن ابن البخارى عن أبى الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد بن الجوزى أخبرنا محمد بن عبد الباقى أخبرنا رزق الله بن عبد الوهاب أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمى حدثنا أحمد بن عطاء الصوفى حدثنا محمد بن على بن الحسين قال سئل الجنيد عن الفراسة فقال حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله قال كنت أرعى غنما لعقبة بن أبى معيط وذكر الحديث وقال فى آخره قال لى النبى ‏(‏ إنك غليم معلم ‏)‏

أخبرنا المسند أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز بقراءتى عليه أخبرنا أبو الغنائم المسلم بن محمد بن علان القيسى سماعا عليه حدثنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندى أخبرنا الشيخ أبو منصور عبد الرحمن بن زريق الشيبانى أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن على البغدادى حدثنا محمد بن المظفر بن السراج من حفظه قال سمعت جعفر بن محمد الخلدى يقول قال لى أبو القاسم الجنيد رحمه الله اطراح هذه الأمة من المروءة والاستئناس بهم حجاب عن الله تعالى والطمع فيهم فقر الدنيا والآخرة

أخبرنا أبو العباس أحمد بن المظفر بن أبى محمد النابلسى الحافظ بقراءتى عليه أخبرنا أقضى القضاة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن نجم الدين محمد بن سالم بن يوسف بن صاعد بن السلم النابلسى قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا الشيخ تقى الدين أبو على الحسن بن أحمد بن يوسف الأوقى سماعا أخبرنا الحافظ أبو طاهر السلفى سماعا

ح وكتب إلى أحمد بن على الجزرى وفاطمة بنت إبراهيم وغيرهما عن محمد بن عبد الهادى عن السلفى إجازات أخبرنى أبو بكر أحمد بن على بن الحسين أخبرنا والدى حدثنا أبو سعد أحمد بن محمد المالينى سمعتت أبا الوزير على بن إسماعيل الصوفى يقول سمعت أبا الحسن المنصورى يقول سألت الجنيد متى يستوجب العبد أن يقال له عاقل قال سمعت سريا يقول هو أن لا يظهر فى جوارحه شيء قد ذمه مولاه

وبه إلى المالينى سمعت أبا القاسم يوسف بن يحيى سمعت أبا القاسم الجنيد بن محمد يدعو بموضعك فى قلوب العارفين دلنى على رضاك وأخرج من قلبى مالا ترضاه وأسكن فى قلبى رضاك

وبه قال سمعت عثمان بن عبد الله الزنجى يقول سمعت الجنيد بن محمد يقول وقد سئل عن اليقين ما هو فقال ترك ما ترى لما لا ترى

وبه قال سمع أبا الحسين أحمد بن زيزى يقول قلت للجنيد من أصحب بعدك قال اصحب بعدى من تأمنه سر الله فيك

وبه قال سمعت أبا الحسن على بن أحمد بن قرقر يقول سمعت أبا الحسن على بن محمد السيروانى يقول سمعت أبا عمرو ابن علوان يقول سمعت أبا القاسم الجنيد بن محمد يقول حضرت إملاك بعض الأبدال من النساء ببعض الأبدال من الرجال فما كان فى جماعة من حضر إلا من ضرب بيده إلى الهواء فأخذ شيئا وطرحه من در وياقوت وما أشبهه قال أبو القاسم فضربت بيدى فأخذت زعفرانا وطرحته فقال لى الحضر ما كان فى الجماعة من أهدى ما يصلح للعرس غيرك

وبه قال حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد سمعت إبراهيم بن داود البردعى يقول سمعت الجنيد يقول نهاية الصابر فى حال الصبر حمل المؤن لله حتى تنقضى أوقات المكروه

وبه قال سمعت أبا القاسم يوسف بن يحيى يقول سمعت الجنيد يدعو إذا سأله إنسان أن يدعو له جمع الله همك ولا شتت سرك وقطعك عن كل قاطع يقطعك عنه ووصلك إلى كل واصل يوصلك إليه وجعل غناه فى قلبك وشغلك به عمن سواه ورزقك أدبا يصلح لمجالسته وأخرج من قلبك مالا يرضى وأسكن فى قلبك رضاه ودلك عليه من أقرب الطرق

أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز بقراءتى عليه أخبرنا الشيخان أبو الفداء إسماعيل بن أبى عبد الله بن حماد بن العسقلانى وأبو إسحاق إبراهيم بن حمد بن كامل ابن عمر المقدسى سماعا قالا أخبرنا أبو محمد بن منينا وعبد الوهاب بن سكينة إجازة قالا أخبرنا محمد بن عبد الباقى الأنصارى القاضى أخبرنا الخطيب أبو بكر أخبرنا محمد بن الحسن الأهوازى قال سمعت أبا حاتم الطبرى يقول سئل الجنيد رحمه الله تعالى عن التصوف فقال استعمال كل خلق سنى وترك كل خلق دنى

وبه إلى الخطيب أخبرنا بكران بن الطيب الجرجرائى حدثنا محمد بن أحمد بن محمد قال سمعت الجنيد يقول لا تكون من الصادقين أو تصدق مكانا لا ينجيك إلا الكذب فيه

أخبرنا المسند عز الدين أبو الفضل محمد بن ضياء الدين أبى الفداء إسماعيل بن عمر بن الحموى قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو الحسن ابن البخارى أخبرنا أبو حفص بن طبرزد أخبرنا القاضى أبو بكر محمد بن عبد الباقى الأنصارى أخبرنا أبو حفص هناد بن إبراهيم أبو المظفر القاضى النسفى قال سمعت أبا الحسن محمد بن القاسم الفارسى يقول كان الجنيد بات ليلة العيد فى موضع غير الموضع الذى كان يعتاده فى البرية فلما أن صار وقت السحر إذا بشاب ملتف فى عباءة وهو يبكى ويقول

بحرمة غربتى كم ذا الصدود ** ألا تعطف على ألا تجود

سرور العيد قد عم النواحى ** وضرى فى ازدياد لا يبيد

فإن كنت اقترفت خلال سوء ** فعذرى فى الهوى أن لا أعود

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا المشايخ أبو بكر إسماعيل بن الأنماطى وأخته رقية وغيرهما حضورا عن أبى بكر بن أبى سعد الصفار أخبرنا أبو منصور عبد الخالق بن زاهر الشحامى أخبرنا الإمام أبو الحسن على بن أحمد بن محمد المؤذن أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله ابن باكويه أخبرنا نصر بن أبى نصر أخبرنا جعفر بن نصير قال سمعت الجنيد قال حججت على الوحدة فجاورت بمكة فكنت إذا جن الليل دخلت الطواف فإذا بجارية تطوف وتقول

أبى الحب أن يخفى وكم قد كتمته ** فأصبح عندى قد أناخ وطنبا

إذا اشتد شوقى هام قلبى بذكره ** فإن رمت قربا من حبيبى تقربا

ويبدو فأفنى ثم أحيى به له ** ويسعدنى حتى ألذ وأطربا

قال فقلت لها يا جارية أما تتقين الله فى مثل هذا المكان تتكلمين بمثل هذا الكلام فالتفتت إلى وقالت يا جنيد

لولا التقى لم ترنى ** أهجر طيب الوسن

إن التقى شردنى ** كما ترى عن وطنى

أفر من وجدى به ** فحبه هيمنى

ثم قالت يا جنيد تطوف بالبيت أم برب البيت فقلت أطوف بالبيت فرفعت طرفها إلى السماء وقالت سحانك ما أعظم مشيئتك فى خلقك خلق كالأحجار يطوفون بالأحجار ثم أنشأت تقول

يطوفون بالأحجار يبغون قربة ** إليك وهم أقسى قلوبا من الصخر

وتاهوا فلم يدروا من التيه من هم ** وحلوا محل القرب فى باطن الفكر

فلو أخلصوا فى الود غابت صفاتهم ** وقامت صفات الود للحق بالذكر

أخبرنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتى عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر بقراءتى عليه أخبرنا إسماعيل بن عثمان بن إسماعيل القارى إجازة أخبرنا هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم القشيرى سماعا عليه إملاء قال سمعت الشيخ أبا سعيد محمد بن عبد العزيز الصفار قال سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمى قال سمعت منصور بن عبد الله قال سمعت أبا عمر الأنماطى قال قال رجل للجنيد على ماذا يتأسف المحب من أوقاته فقال على زمان بسط أورث قبضا أو زمان أنس أورث وحشة ثم أنشأ يقول

قد كان لى مشرب يصفو بقربكم ** فكدرته يد الأيام حين صفا

وبه إلى هبة الرحمن القشيرى أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهانى قال سمعت أبا الحسن على بن هارون بن محمد وأبا بكر محمد بن أحمد المفيد يقولان سمعنا أبا القاسم الجنيد ابن محمد غير مرة يقول طريقنا مضبوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به

وأخبرناه أيضا أبو العباس أحمد بن يوسف بن أحمد الخلاطى قراءة عليه وأنا أسمع بالقاهرة أخبرنا نفيس الدين عبد الرحمن بن عبد الكريم بن أبى القاسم أخبرنا والدى أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد الطوسى أخبرنا أبو الحسن محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق الزعفرانى البغدادى قراءة عليه فى المحرم سنة سبع وخمسمائة قيل له أخبركم أبو الحسن على بن أحمد بن على بن عبد الله الحافظ الصقلى أخبرنا أبو الحسن على بن هارون بن محمد وأبو بكر محمد بن أحمد المفيد قالا سمعنا أبا القاسم الجنيد بن محمد رحمه الله يقول تفقهت على مذهب أصحاب الحديث كأبى عبيد وأبى ثور وصحبت الحارث المحاسبى وسرى بن المغلس رحمة الله عليهم وذلك كان سبب فلاحى إذ علمنا هذا مضبوط بالكتاب والسنة ومن لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث ويتفقه قبل سلوكه فإنه لا يجوز الاقتداء به

أخبرنا الشيخ الوالد رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا عبد الرحمن بن مخلوف بن جماعة

ح وأخبرنا يحيى بن يوسف المصرى قراءة عليه وأنا أسمع قالا أخبرنا عبد الوهاب بن ظافر بن رواج قال ابن جماعة سماعا وقال شيخنا إجازة قال أخبرنا الحافظ أبو طاهر السلفى أخبرنا أبو الحسن العلاف أخبرنا أبو الحسن الحمامى حدثنا أبو بكر أحمد بن جعفر الختلى سمعت أبا القاسم بن بكير قال سمعت الجنيد يقول بنى أمرنا هذا على أربع لا نتكلم إلا عن وجود ولا نأكل إلا عن فاقة ولا ننام إلا عن غلبة ولا نسكت إلا عن خشية

ذكر نخب وفوائد عن أبى القاسم رحمه الله

هل الأفضل للمحتاج أن يأخذ من الزكاة أو صدقة التطوع قال الغزالى فى الإحياء اختلف فيه السلف وكان الجنيد والخواص وجماعة يقولون الأخذ من الصدقة أفضل لئلا يضيق على الأصناف ولئلا يخل بشرط من شروطها وقال آخرون الزكاة أفضل لأنها إعانة على واجب ولو ترك أهل الزكاة أخذها أثموا ولأن الزكاة لا منة فيها

قال الغزالى والصواب أنه يختلف بالأشخاص فإن عرض له شبهة فى استحقاقه لم يأخذ الزكاة وإن قطع باستحقاقه ينظر إن كان المتصدق إن لم يأخذها هذا لم يتصدق فليأخذ الصدقة فإن إخراج الزكاة لابد منه وإن كان لابد من إخراج تلك الصدقة يخير قال وأخذ الزكاة أشد فى كسر النفس

61 الحارث بن أسد المحاسبى أبو عبد الله

علم العارفين فى زمانه وأستاذ السائرين الجامع بين علمى الباطن والظاهر شيخ الجنيد

ويقال إنما سمى المحاسبى لكثرة محاسبته لنفسه

قال ابن الصلاح ذكره الأستاذ أبو منصور فى الطبقة الأولى فيمن صحب الشافعى وقال كان إمام المسلمين فى الفقه والتصوف والحديث والكلام وكتبه فى هذه العلوم أصول من يصنف فيها وإليه ينسب أكثر متكلمى الصفاتية

ثم قال لو لم يكن في أصحاب الشافعى فى الفقه والكلام والأصول والقياس والزهد والورع والمعرفة إلا الحارث المحاسبى لكان مغبرا فى وجوه مخالفيه والحمد لله على ذلك

قال ابن الصلاح صحبته للشافعى لم أر أحدا ذكرها سواه وليس أبو منصور من أهل هذا الفن فيعتمد فيما تفرد به والقرائن شاهدة بانتفائها

قلت إن كان أبو منصور صرح بأنه صحب الشافعى فالاعتراض عليه لائح وإلا فقد يكون أراد بالطبقة الأولى من عاصر الشافعى وكان فى طبقة الآخذين عنه وقد ذكره فى الطبقة الأولى أيضا أبو عاصم العبادى وقال كان ممن عاصر الشافعى واختار مذهبه ولم يقل كان ممن صحبه فلعل هذا القدر مراد أبى منصور

روى الحارث عن يزيد بن هارون وطبقته

روى عنه أبو العباس بن مسروق وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفى والشيخ الجنيد وإسماعيل بن إسحاق السراج وأبو على الحسين بن خيران الفقيه وغيرهم

قال الخطيب له كتب كثيرة فى الزهد وأصول الديانة والرد على المعتزلة والرافضة

قلت كتبه كثيرة الفوائد جمة المنافع وقال جمع من الصوفية إنها تبلغ مائتى مصنف

قال الأستاذ أبو عبد الله بن خفيف اقتدوا بخمسة من شيوخنا والباقون سلموا إليهم أحوالهم الحارث بن أسد المحاسبى والجنيد بن محمد وأبو محمد رويم وأبو العباس بن عطاء وعمرو بن عثمان المكى لأنهم جمعوا بين العلم والحقائق

وقال جعفر الخلدى سمعت الجنيد يقول كنت كثيرا أقول للحارث عزلتى أنسى فيقول كم تقول أنسى وعزلتى لو أن نصف الخلق تقربوا منى ما وجدت بهم أنسا ولو أن نصف الخلق الآخر نأوا عنى ما استوحشت لبعدهم

قال وسمعت الجنيد يقول كان الحارث كثير الضر فاجتاز بى يوما وأنا جالس على بابنا فرأيت على وجهه زيادة الضر من الجوع فقلت له يا عم لو دخلت إلينا نلت من شيء من عندنا وعمدت إلى بيت عمى وكان أوسع من بيتنا لا يخلو من أطعمة فاخرة لا يكون مثلها فى بيتنا سريعا فجئت بأنواع كثيرة من الطعام فوضعته بين يديه فمد يده فأخذ لقمة فرفعها إلى فيه فرأيته يعلكها ولا يزدردها ثم وثب وخرج وما كلمنى فلما كان الغد لقيته فقلت له يا عم سررتنى ثم نغصت على قال يا بنى أما الفاقة فكانت شديدة وقد اجتهدت فى أن أنال من الطعام الذى قدمته إلى ولكن بينى وبين الله علامة إذا لم يكن الطعام مرضيا ارتفع إلى أنفى منه زفرة فلم تقبله نفسى فقد رميت بتلك اللقمة فى دهليزكم

وفى رواية أخرى كان إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة تحرك له عرق فى أصبعه فيمتنع منه

وقال الجنيد مات أبو الحارث يوم مات وإن الحارث لمحتاج إلى دانق فضة وخلف أبوه مالا كثيرا وما أخذ منه حبة واحدة وقال أهل ملتين لا يتوارثان وكان أبوه رافضيا

وقال أبو على بن خيران الفقيه رأيت الحارث بباب الطاق فى وسط الطريق متعلقا بأبيه والناس قد اجتمعوا عليه يقول أمى طلقها فإنك على دين وهى على دين غيره

وهذا من الحارث بناء على القول بتكفير القدرية فلعله كان يرى ذلك وأما الحكاية المتقدمة فى أنه لم يأخذ من ميراث أبيه فلعله ترك الأخذ من ميراثه ورعا لأنه فى محل الخلاف إذ فى تكفير القدرية خلاف وفى نفى التوارث بناء على التكفير أيضا خلاف وابن الصلاح جعل عدم أخذه من ميراث أبيه دليلا منه على أنه يقول بالتكفير وفيه نظر لاحتمال أنه فعل ذلك ورعا وقد صرح بعضهم بذلك وبأن الله عوضه عن ذلك بأنه كان لا يدخل بطنه إلا الحلال المحض كما تقدم

وأما حمله أباه على أن يطلق امرأته فصريح فى أنه كان يرى التكفير إذ لا محل للورع هنا

وقيل أنشد قوال بين يدى الحارث هذه الأبيات

أنا فى الغربة أبكى ** ما بكت عين غريب

لم أكن يوم خروجى ** من بلادى بمصيب

عجبا لى ولتركى ** وطنا فيه حبيبى

فقام يتواجد ويبكى حتى رحمه كل من حضره

وروى الحسين بن إسماعيل المحاملى القاضى قال قال أبو بكر بن هارون بن المجدر سمعت جعفر ابن أخى أبى ثور يقول حضرت وفاة الحارث فقال إن رأيت ما أحب تبسمت إليكم وإن رأيت غير ذلك تنسمتم فى وجهى قال فتبسم ثم مات

قوله تنسمتم فى وجهى بفتح التاء المثناة من فوق بعدها نون ثم سين ضبطناه لئلا يتصحف

توفى الحارث سنة ثلاث وأربعين ومائتين

ذكر البحث عما كان بينه وبين الإمام أحمد

أول ما نقدمه أنه ينبغى لك أيها المسترشد أن تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين وأن لا تنظر إلى كلام بعضهم فى بعض إلا إذا أتى ببرهان واضح ثم إن قدرت على التأويل وتحسين الظن فدونك وإلا فاضرب صفحا عما جرى بينهم فإنك لم تخلق لهذا فاشتغل بما يعنيك ودع مالا يعنيك ولا يزال طالب العلم عندى نبيلا حتى يخوض فيما جرى بين السلف الماضين ويقضى لبعضهم على بعض فإياك ثم إياك أن تصغى إلى ما اتفق بين أبى حنيفة وسفيان الثورى أو بين مالك وابن أبى ذئب أو بين أحمد بن صالح والنسائى أو بين أحمد ابن حنبل والحارث المحاسبى وهلم جرا إلى زمان الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقى الدين بن الصلاح فإنك إن اشتغلت بذلك خشيت عليك الهلاك فالقوم أئمة أعلام ولأقوالهم محامل ربما لم يفهم بعضها فليس لنا إلا الترضى عنهم والسكوت عما جرى بينهم كما يفعل فيما جرى بين الصحابة رضى الله عنهم

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الإمام أحمد رضى الله عنه كان شديد النكير على من يتكلم فى علم الكلام خوفا أن يجر ذلك إلى ما لا ينبغى ولا شك أن السكوت عنه ما لم تدع إليه الحاجة أولى والكلام فيه عند فقد الحاجة بدعة وكان الحارث قد تكلم فى شيء من مسائل الكلام

قال أبو القاسم النصراباذى بلغنى أن أحمد ابن حنبل هجره بهذا السبب

قلت والظن بالحارث أنه إنما تكلم حين دعت الحاجة ولكل مقصد والله يرحمهما

وذكر الحاكم أبو عبد الله أن أبا بكر أحمد بن إسحاق الصبغى أخبره قال سمعت إسماعيل بن إسحاق السراج يقول قال لى أحمد بن حنبل بلغنى أن الحارث هذا يكثر الكون عندك فلو أحضرته منزلك وأجلستنى من حيث لا يرانى فأسمع كلامه فقصدت الحارث وسألته أن يحضرنا تلك الليلة وأن يحضر أصحابه فقال فيهم كثرة فلا تزدهم على الكسب والتمر فأتيت أبا عبد الله فأعلمته فحضر إلى غرفة واجتهد فى ورده وحضر الحارث وأصحابه فأكلوا ثم صلوا العتمة ولم يصلوا بعدها وقعدوا بين يدى الحارث لا ينطقون إلى قريب نصف الليل ثم ابتدأ رجل منهم فسأل عن مسألة فأخذ الحارث فى الكلام وأصحابه يستمعون كأن على رؤوسهم الطير فمنهم من يبكى ومنهم من يحن ومنهم من يزعق وهو فى كلامه فصعدت الغرفة لأتعرف حال أبى عبد الله فوجدته قد بكى حتى غشى عليه فانصرفت إليهم ولم تزل تلك حالهم حتى أصبحوا وذهبوا فصعدت إلى أبى عبد الله فقال ما أعلم أنى رأيت مثل هؤلاء القوم ولا سمعت فى علم الحقائق مثل كلام هذا الرجل ومع هذا فلا أرى لك صحبتهم ثم قام وخرج وفى رواية أخرى أن أحمد قال لا أنكر من هذا شيئا

قلت تأمل هذه الحكاية بعين البصيرة واعلم أن أحمد بن حنبل إنما لم ير لهذا الرجل صحبتهم لقصوره عن مقامهم فإنهم فى مقام ضيق لا يسلكه كل أحد فيخاف على سالكه وإلا فأحمد قد بكى وشكر الحارث هذا الشكر ولكل رأى واجتهاد حشرنا الله معهم أجمعين فى زمرة سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه وسلم

ذكر شىء من الرواية عن الحارث

أخبرنا الحافظ أبو العباس أحمد بن المظفر النابلسى بقراءتى عليه أخبرنا أقضى القضاة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن نجم الدين محمد بن سالم بن يوسف بن صاعد بن السلم النابلسى قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا الشيخ تقى الدين أبو على الحسن بن أحمد بن يوسف الأوقى سماعا أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفى سماعا عليه

ح وكتب إلى أحمد بن على الجزرى وفاطمة بنت إبراهيم وغيرهما عن محمد بن عبد الهادى عن السلفى أخبرنى الشيخ أبو بكر أحمد بن على بن الحسين فيما قرأت عليه من أصل سماعه بمدينة السلام فى ذى القعدة سنة خمس وسبعين وأربعمائة أخبرنا والدى أبو الحسن علي بن الحسين الطريشيثى الصوفى حدثنا أبو سعد أحمد بن محمد بن عبد الله المالينى لفظا أخبرنا أبو الحسن على بن أحمد الشمشاطى حدثنا أحمد بن القاسم بن نصر أخبرنا الحارث بن أسد المحاسبى العنزي أخبرنا يزيد بن هارون عن شعبة عن القاسم بن أبى بزة عن عطاء الكيخارانى أو الخراسانى عن أم الدرداء عن أبى الدرداء قال قال رسول الله ‏(‏ أثقل ما يوضع فى ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق ‏)‏

أخبرنا الشيخ المسند تاج الدين عبد الرحيم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن أبى اليسر قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا جدى أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا عبد اللطيف بن إسماعيل بن أبى سعد النيسابورى

ح وأخبرنا أبو الفضل محمد بن إسماعيل بن عمر بن الحموى قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا ابن البخارى أخبرنا ابن طبرزد

ح وأخبرنا الوالد تغمده الله برحمته قراءة عليه أخبرنا أبو محمد الدمياطى الحافظ أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ أخبرنا أبو القاسم الأزجى أخبرنا أبو طالب اليوسفى قال النيسابورى وابن طبرزد أخبرنا القاضى أبو بكر محمد بن عبد الباقى الأنصارى قال سمعت وقال اليوسفى قال النيسابورى أخبرنا أبو محمد الحسن بن على الجوهرى سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد العسكرى يقول سمعت أبا العباس أحمد بن محمد بن مسروق يقول سمعت حارثا المحاسبى يقول ثلاثة أشياء عزيزة أو معدومة حسن الوجه مع الصيانة وحسن الخلق مع الديانة وحسن الإخاء مع الأمانة

أخبرنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتى عليه أخبرنا ابن السلم أخبرنا الأوقى أخبرنا السلفى أخبرنى الشيخ أبو بكر أحمد بن على بن الحسين بن زكريا الصوفى فيما قرأت عليه أخبرنا والدى أبو الحسن على بن الحسين الطريثيثى الصوفى حدثنا أبو سعد أحمد بن محمد بن عبد الله بن حفص بن خليل الهروى المالينى لفظا أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل ابن بنت أبى حفص النسائى أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الملطى أخبرنا محمد بن أحمد بن أبى شيخ قال قال لى أحمد بن الحسن الأنصارى سألت الحارث المحاسبى عن العقل فقال هو نور الغريزة مع التجارب يزيد ويقوى بالعلم والحلم

قلت هذا الذى قاله الحارث فى العقل قريب مما نقل عنه أنه غريزة يتأتى بها درك العلوم وسنتكلم عن ذلك

ومن كلمات الحارث والفوائد عنه

أصل الطاعة الورع وأصل الورع التقوى وأصل التقوى محاسبة النفس وأصل محاسبة النفس الخوف والرجاء وأصل الخوف والرجاء معرفة الوعد والوعيد وأصل معرفة الوعد والوعيد داء عظيم الجزاء وأصل ذلك الفكرة والعبرة وأصدق بيت قالته العرب قول حسان بن ثابت الأنصارى رضى الله عنه

وما حملت من ناقة فوق كورها ** أعز وأوفى ذمة من محمد

قلت وهذا حق ونظير هذا البيت فى الصدق قول حسان أيضا

وما فقد الماضون مثل محمد ** ولا مثله حتى القيامة يفقد

وقوله أصدق كلمة قالها لبيد

ألا كل شىء ما خلا الله باطل **

ذاك أصدق كلمات لبيد نفسه فلا ينافى هذا

وقال الحارث العلم يورث المخافة والزهد يورث الراحة والمعرفة تورث الإنابة وخيار هذه الأمة الذين لا تشغلهم آخرتهم عن دنياهم ولا دنياهم عن آخرتهم ومن حسنت معاملته فى ظاهره مع جهد باطنه ورثه الله الهداية إليه لقوله عز وجل ‏{‏وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ‏}

وقال حسن الخلق احتمال الأذى وقلة الغضب وبسط الرحمة وطيب الكلام ولكل شىء جوهر وجوهر الإنسان العقل وجوهر العقل الصبر والعمل بحركات القلوب فى مطالعات الغيوب أشرف من العمل بحركات الجوارح

وقال إذا أنت لم تسمع نداء الله فكيف تجيب دعاه ومن استغنى بشىء دون الله جهل قدر الله والظالم نادم وإن مدحه الناس والمظلوم سالم وإن ذمه الناس والقانع غنى وإن جاع والحريص فقير وإن ملك ومن لم يشكر الله تعالى على النعمة فقد استدعى زوالها

قال إمام الحرمين فى البرهان عند الكلام فى تعريف العقل وما حوم عليه أحد من علمائنا غير الحارث المحاسبى فإنه قال العقل غريزة يتأتى بها درك العلوم وليست منها انتهى

وقد ارتضى الإمام كلام الحارث هذا كما ترى وقال عقيبه إنه صفة إذا ثبتت يتأتى بها التوصل إلى العلوم النظرية ومقدماتها من الضروريات التى هى من مستند النظريات انتهى

وهو منه بناء على أن العقل ليس بعلم والمعزو إلى الشيخ أبى الحسن الأشعرى أنه العلم

وقال القاضى أبو بكر إنه بعض العلوم الضرورية

والإمام حكى فى الشامل مقالة الحارث هذه التى استحسنها هنا وقال إنا لا نرضاها ونتهم فيها النقلة عنه

ثم قال ولو صح النقل عنه فمعناه أن العقل ليس بمعرفة الله تعالى وهو إذا أطلق المعرفة أراد بها معرفة الله فكأنه قال ليس العقل بنفسه بمعرفة الله تعالى ولكنه غريزة وعنى بالغريزة أنه عالم لأمر جبل الله عليه العاقل ويتوصل به إلى معرفة الله انتهى كلامه فى الشامل

والمنقول عن الحارث ثابت عنه وقد نص عليه فى كتاب الرعاية وكأن إمام الحرمين نظر كلام الحارث بعد ذلك ثم لا حت له صحته بعدما كان لا يرضاه

واعلم أنه ليس فى ارتضاء مذهب الحارث واعتقاده ما ينتقد ولا يلزمه قول بالطبائع ولا شىء من مقالات الفلاسفة كما ظنه بعض شراح كتاب البرهان وقد قررنا هذا فى غير هذا الموضع وقول إمام الحرمين إنه أراد معرفة الله ممنوع فقد قدمنا عن الحارث بالإسناد قوله إنه نور الغريزة يقوى ويزيد بالتقوى نعم الحارث لا يريد بكونه نورا ما تدعيه الفلاسفة

62 داود بن على بن خلف أبو سليمان البغدادى الأصبهانى

إمام أهل الظاهر

ولد سنة مائتين وقيل سنة اثنتين ومائتين

وكان أحد أئمة المسلمين وهداتهم وله فى فضائل الشافعى رحمه الله مصنفات

سمع سليمان بن حرب والقعنبى وعمرو بن مرزوق ومحمد بن كثير العبدى ومسددا وأبا ثور الفقيه وإسحاق بن راهويه رحل إليه إلى نيسابور فسمع منه المسند والتفسير وجالس الأئمة وصنف الكتب

قال أبو بكر الخطيب كان إماما ورعا ناسكا زاهد وفى كتبه حديث كثير لكن الرواية عنه عزيزة جدا روى عنه ابنه محمد وزكريا الساجى ويوسف بن يعقوب الداودى الفقيه وعباس بن أحمد المذكر وغيرهم

وقال أبو إسحاق الشيرازى ولد سنة اثنتين ومائتين وأخذ العلم عن إسحاق وأبى ثور وكان زاهدا متقللا وقال أبو العباس ثعلب كان داود عقله أكثر من علمه

قال الشيخ أبو إسحاق وقيل كان فى مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر وكان من المتعصبين للشافعى صنف كتابين فى فضائله والثناء عليه

وقال أبو إسحاق وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد وأصله من أصفهان ومولده بالكوفة ومنشأه ببغداد وقبره بها

وقال أبو عمرو أحمد بن المبارك المستملى رأيت داود بن على يرد على إسحاق بن راهويه وما رأيت أحدا قبله ولا بعده يرد عليه هيبة له

وقال عمر بن محمد بن بجير سمعت داود بن على يقول دخلت على إسحاق ابن راهويه وهو يحتجم فجلست فرأيت كتاب الشافعى فأخذت أنظرفصاح أيش تنظر فقلت ‏{‏مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ‏}‏ فجعل يضحك ويتبسم

وقال سعيد البردعى كنا عند أبى زرعة فاختلف رجلان فى أمر داود والمزنى والرجلان فضلك الرازى وابن خراش فقال ابن خراش داود كافر وقال فضلك المزنى جاهل فأقبل عليهما أبو زرعة فوبخهما وقال ما واحد منكما له بصاحب ثم قال نرى داود هذا لو اقتصر على ما يقتصر عليه أهل العلم لظننت أنه يكمد أهل البدع بما عنده من البيان والأدلة ولكنه تعدى لقد لقد قدم علينا من نيسابور فكتب إلى محمد بن رافع ومحمد بن يحيى وعمر بن زرارة وحسين بن منصور ومشيخة نيسابور بما أحدث هناك فكتمت ذلك لما خفت من عواقبه ولم أبد له شيئا فقدم بغداد وكان بينه وبين صالح بن أحمد حسن فكلم صالحا أن يتلطف له فى الاستئذان على أبيه فأتى وقال سألنى رجل أن يأتيك قال ما اسمه قال داود قال ابن من قال هو من أهل أصبهان وكان صالح يروغ عن تعريفه فما زال أبوه يفحص حتى فطن به فقال هذا قد كتب إلى محمد بن يحيى فى أمره أنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربنى قال إنه ينتفى من هذا وينكره قال محمد بن يحيى أصدق منه لا تأذن له

قال الخلال أخبرنا الحسين بن عبد الله قال سألت المروزى عن قصة داود الأصبهانى وما أنكر عليه أبو عبد الله فقال كان داود خرج إلى خراسان إلى ابن راهويه فتكلم بكلام شهد عليه أبو نصر بن عبد المجيد وآخر شهدا عليه أنه قال إن القرآن محدث فقال لى أبو عبد الله بن داود بن على لا فرج الله عنه

قلت هذا من غلمان أبى ثور قال جاءنى كتاب محمد بن يحيى النيسابورى أن داود الأصبهانى قال ببلدنا إن القرآن محدث

قال المروزى حدثنى محمد بن إبراهيم النيسابورى أن إسحاق بن راهويه لما سمع كلام داود فى بيته وثب عليه إسحاق فضربه وأنكر عليه

قال الخلال سمعت أحمد بن محمد بن صدقة سمعت محمد بن الحسين بن صبيح سمعت داود الأصبهانى يقول القرآن محدث ولفظى بالقرآن مخلوق

أخبرنا سعيد بن أبى مسلم سمعت محمد بن عبدة يقول دخلت إلى داود فغضب على أحمد بن حنبل فدخلت عليه فلم يكلمنى فقال له رجل يا أبا عبد الله إنه رد عليه مسألة قال وما هى

قال قال الخنثى إذا مات من يغسله فقال داود يغسله الخدم فقال محمد بن عبدة الخدم رجال ولكن ييممم فتبسم أحمد وقال أصاب أصاب ما أجود ما أجابه

قلت ليس فى جواب داود فى مسألة الخنثى ما هو بالغ فى النكرة وفى مذهبنا وجه أنه ييمم وآخر أنه يشترى من تركته جارية لتغسله والصحيح أنه يغسله الرجال والنساء جميعا للضرورة واستصحابا لحكم الصغر

فقول داود يغسله الخدم ليس ببعيد فى القياس أن يذهب إليه ذاهب ولا واصل إلى أن يجعل مما يضحك منه

وقد كان داود موصوفا بالدين المتين قال القاضى المحاملى رأيت داود بن على يصلى فما رأيت مسلما يشبهه فى حسن تواضعه

قال ابن كامل توفى داود فى رمضان سنة سبعين ومائتين

ذكر شيء من الرواية عنه

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أنبأنا ابن سلامة عن اللبان عن الشرويى أخبرنا عبد الكريم بن محمد أبو نصر الشيرازى قراءة عليه أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد بن حمكويه المفسر الرويانى بآمل أخبرنا والدى أخبرنا أبو تراب على بن عبد الله بن القاسم البصرى بالدينور حدثنا داود بن على بن خلف البغدادى المعروف بالأصبهانى حدثنا أبو خيثمة حدثنا بشر بن السرى حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن أبى ليلى عن صهيب عن النبى قال ‏(‏ إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون ألم تثقل موازيننا ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏)‏ الحديث

قلت كذا أورد شيخنا الذهبى بعض الحديث على عادته فى كثير من الأوقات وأنا لا أحب ذلك

وعندى أنه لا يجوز روايته بكماله وإنما يروى منه ما صرح به فلهذا اتبعته واقتصرت على القدر الذى ذكره منه ولو قال لى علقمة حدثنى عمر بن الخطاب بحديث إنما الأعمال بالنيات لما قلت إلا قال لى علقمة حدثنى عمر بحديث إنما الأعمال بالنيات ولم أقل قال لى علقمة حدثنى عمر أن النبى قال ‏(‏ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ‏)‏ ولو قلت ذلك لكنت كاذبا على علقمة فإنه لم يقل لى ذلك بل لو قلت إن علقمة حدثنى بحديث إنما الأعمال بالنيات والحالة هذه لكذبت عليه فإنه لم يحدثنى به فافهم واحترز وراقب قوله ‏(‏ من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ‏)‏

فإن قلت قد نقل الخطيب أن أبا بكر الإسماعيلى سئل عمن قرأ إسناد الحديث على الشيخ ثم قال وذكر الحديث هل يجوز أن يحدث بجميعه فقال أرجو أن يجوز وذكر قريبا منه عن أبى على الزجاجى الطبرى

قلت أفتى الأستاذ أبو إسحاق فى المسائل الحديثية التى سأله عنها الحافظ أبو سعد بن عليك بأن هذا لا يجوز وهذا هو الأرجح عندى

ومن حديث داود

ما رواه أبو بكر محمد ابنه عنه قال حدثنى سويد بن سعيد قال حدثنى على ابن مسهر عن أبى يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله ‏(‏ من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد ‏)‏

قال الحاكم أبو عبد الله أنا أتعجب من هذا الحديث فإنه لم يحدث به عن سويد ابن سعيد ثقة وداود وابنه ثقتان

ومن حديث داود أيضا من آذى ذميا فأنا خصمه ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة

رواه الخطيب فى ترجمة داود والحمل فيه على الراوى عنه العباس بن أحمد بن المذكر

ذكر اختلاف العلماء فى أن داود وأصحابه هل يعتد بخلافهم فى الفروع

الذى تحصل لى فيه من كلام العلماء ثلاثة أقوال أحدها اعتباره مطلقا وهو ما ذكر الأستاذ أبو منصور البغدادى أنه الصحيح من مذهبنا وقال ابن الصلاح إنه الذى استقر عليه الأمر آخرا

والثانى عدم اعتباره مطلقا وهو رأى الأستاذ أبى إسحاق الإسفراينى ونقله عن الجمهور حيث قال قال الجمهور إنهم يعنى نفاة القياس لا يبلغون رتبة الاجتهاد ولا يجوز تقليدهم القضاء وإن ابن أبى هريرة وغيره من الشافعيين لا يعتدون بخلافهم فى الفروع

وهذا هو اختيار إمام الحرمين وعزاه إلى أهل التحقيق فقال والمحققون من علماء الشريعة لا يقيمون لأهل الظاهر وزنا وقال فى كتاب أدب القضاء من النهاية كل مسلك يختص به أصحاب الظاهر عن القياسيين فالحكم بحسنه منصوص

قال وبحق قال حبر الأصول القاضى أبو بكر إنى لا أعدهم من علماء الأمة ولا أبالى بخلافهم ولا وفاقهم

وقال فى باب قطع اليد والرجل فى السرقة كررنا فى مواضع فى الأصول والفروع أن أصحاب الظاهر ليسوا من علماء الشريعة وإنما هم نقلة إن ظهرت الثقة

انتهى

والثالث أن قولهم معتبر إلا فيما خالف القياس الجلى

قلت وهو رأى الشيخ أبى عمرو بن الصلاح

وسماعى من الشيخ الإمام الوالد رحمه الله أن الذى صح عنده عن داود أنه لا ينكر القياس الجلى وإن نقل إنكاره عنه ناقلون قال وإنما ينكر الخفى فقط

قال ومنكر القياس مطلقا جليه وخفيه طائفة من أصحابه زعيمهم ابن حزم

قلت ووقفت لداود رحمه الله على رسالة أرسلها إلى أبى الوليد موسى بن أبى الجارود طويلة دلت على عظيم معرفته بالجدل وكثرة صناعته فى المناظرة وقصدى من ذكرها الآن أن مضمونها الرد على أبى إسماعيل المزنى رحمه الله فى رده على داود إنكار القياس وشنع فيه على المزنى كثيرا ولم أجد فى هذا الكتاب لفظة تدل على أنه يقول بشيء من القياس بل ظاهر كلامه إنكاره جملة وإن لم يصرح بذلك وهذه الرسالة التى عندى أصل صحيح قديم أعتقده كتب فى حدود سنة ثلاثمائة أو قبلها بكثير ثم وقفت لداود رحمه الله على أوراق يسيرة سماها الأصول نقلت منها ما نصه

والحكم بالقياس لا يجب والقول بالاستحسان لا يجوز انتهى

ثم قال ولا يجوز أن يحرم النبى فيحرم محرم غير ما حرم لأنه يشبهه إلا أن يوقفنا النبى على علة من أجلها وقع التحريم مثل أن يقول حرمت الحنطة بالحنطة لأنها مكيلة واغسل هذا الثوب لأن فيه دما أو اقتل هذا إنه أسود يعلم بهذا أن الذى أوجب الحكم من أجله هو ما وقف عليه وما لم يكن ذلك فالبعيد واقع بظاهر التوقيف وما جاوز ذلك فمسكوت عنه داخل فى باب ما عفى عنه انتهى

فكأنه لا يسمى منصوص العلة قياسا وهذا يؤيد منقول الشيخ الإمام وهو قريب من نقل الآمدى

فالذى أراه الاعتبار بخلاف داود ووفاقه نعم للظاهرية مسائل لا يعتد بخلافه فيها لا من حيث إن داود غير أهل للنظر بل لخرقه فيها إجماعا تقدمه وعذره أنه لم يبلغه أو دليلا واضحا جدا وذلك كقوله فى التغوط فى الماء الراكد وقوله لا ربا إلا فى الستة المنصوص عليها وغير ذلك من مسائل وجهت سهام الملام إليهم وأفاضت سبيل الإزراء عليهم

ووقع فى كلام القاضى الحسين شيء موهم نقله عنه ابن الرفعة فى الكفاية بعبارة تزيد إيهاما ففهمه الطلبة عن ابن الرفعة فهما يزيد على مدلوله فصار غلطا على غلط وذلك أن ابن الرفعة ذكر فى الكفاية فى باب صلاة المسافر بعدما حكى أن إمام الحرمين ذكر أن المحققين لا تقيم لمذهب أهل الظاهر وزنا ما نصه وفيه نظر فإن القاضى الحسين نقل عن الشافعى أنه قال فى الكتابة وإنى لا أمتنع عن كتابة عبد جمع القوة والأمانة وإنما استحبه للخروج من الخلاف فإن داود أوجب كتابة من جمع القوة على الكسب والأمانة من العبيد وداود من أهل الظاهر وقد أقام الشافعى لخلافه وزنا واستحب كتابة من ذكره لأجل خلافه انتهى

ففهم الطلبة منه أن هذه الجملة كلها من نص الشافعى من قوله قال فى الكتابة إلى قوله من العبيد وقرءوا إنما أستحب للخروج بفتح الهمزة وكسر الحاء فعل مضارع للمتكلم وليست هذه العبارة فى النص ولا يمكن ذلك فإن داود بعد الشافعى

ورأيت بخط الشيخ الوالد رحمه الله على حاشية الكفاية عند قوله والأمانة قبيل قوله وإنما استحب ما نصه هنا انتهى كلام الشافعى وإنما استحبه القاضى الحسين وهو بفتح الحاء فى استحب ولا يحسن أن يراد بالخلاف خلاف داود فإن داود بعد الشافعى ولعل مراد القاضى الخلاف الذى داود موافق له فلا يلزم أن يكون الشافعى أقام لخلاف داود وحده وزنا انتهى كلام الوالد

وأقول من قوله قال فى الكتابة إلى والأمانة هو النص كما نبه عليه الشيخ الإمام ومن قوله وإنما استحب إلى قوله من العبيد هو كلام القاضي حسين وهو بفتح حاء استحب كما نبه عليه الوالد ولا شك أنه توهم أن الشافعى راعى خلاف داود فأجاب الشيخ الإمام عنه بأنه راعى الخلاف الذى داود موافق له لا أنه نظر فى خصوص ذلك لعدم إمكان ذلك فإن داود متأخر عنه ومن قوله وداود إلى قوله لأجل خلافه هو كلام ابن الرفعة ذكره كما نرى ردا على الإمام فى نقله أن المحققين لا يقيمون له وزنا فنقضى عليه بأن إمام المحققين وهو الشافعى أقام لداود وزنا حيث اعتبر خلافه وأثبت لأجله حكما شرعيا وهو استحباب الكتابة وهو أشد إيهاما إذ يكاد يصرح بأن الشافعى نظر خلاف داود بخصوصه

ولابن الرفعة عذر وعن كلامه جواب كلاهما نبه عليه الشيخ الإمام فى هذه الحاشية

أما عذره فإن مراده الخلاف الذى داود موافق له فصحت نسبته لداود بهذا الاعتبار

وأما جوابه فإنه لا يكون قد اعتبر مذهب داود لخصوصه بل إنما اعتبر مذهبا داود موافق له والله أعلم

وعلى هذا الحمل قول ابن الرفعة فى المطلب فى المصراة قال داود بإثبات الخيار فى الإبل والغنم لأجل الخبر ولم يثبته فى البقر لعدم ورود النص فيها ومخالفته هى التى أحوجت الشافعى إلى آخر ما ذكره فالمراد به مخالفة المذهب الذى ذهب إليه داود

ونظيره قول الإمام فى النهاية فى كتاب اختلاف الحكام والشهادات لا يجب الإشهاد إلا على عقد النكاح وفى الرجعة قولان وأوجب داود الإشهاد واستدل عليه الشافعى بأن قال الله تعالى أثبت الإشهاد إلى آخر ما ذكره وقد يوهم أن الشافعى احتج على داود نفسه وليس كذلك بل معناه أنه احتج على المذهب الذى ذهب إليه داود وإلا فإمام الحرمين لا يخفى عليه تأخر داود عن عصر الشافعى وقد قال فى النهاية فى الظهار فى باب ما يجزئ من العيون فى الرقاب بعد ما حكى أن داود قال يجزئ كل رقبة وقد قال الشافعى لم أعلم أن أحدا ممن مضى من أهل العلم ولا ذكر لى ولا بقى أحد إلا يقسم العيوب يعنى إلى مجزئ وغير مجزئ قال إمام الحرمين وهذا داود نشأ بعده وعندى أنه لو عاصره لما عده من العلماء انتهى

ومن مسائل داود التى خرجها على أصولنا

قال أبو عاصم العبادى من اختيار أبى سليمان أنه إذا قال رجل لامرأتين إذا ولدتما ولدا فعبدى حر يجب أن تلد كل واحدة منهما ولدا وهو اختيار بعض أصحابنا واختيار المزنى أيتهما ولدت عتق واختيار غيره أنه محال

قلت قول المزنى غريب

قال أبو عاصم ومن اختياره أن الجمعة تصلى فى مساجد العشائر كقول أبى ثور